كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


قال الحافظ العراقي رحمه الله تعالى الأمر بوضع اليد على فمه هل المراد به وضعها عليه إذا انفتح بالتثاؤب أو وضعها على الفم المنطبق حفظاً له عن الانفتاح بسبب ذلك‏؟‏ كل محتمل أما لو رده فارتد فلا حاجة للاستعانة بيده مع انتفائه بدون ذلك

- ‏(‏ه‏)‏ في الصلاة ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ رمز المؤلف لضعفه وهو كذلك‏.‏ وممن جزم بضعفه مغلطاي فقال ضعيف لضعف رواية عبد الله بن سعيد المقبري ونكارة حديثه انتهى‏.‏ والحديث له أصل عند مسلم وغيره بتغيير قليل في اللفظ‏.‏

519 - ‏(‏إذا تجشأ أحدكم‏)‏ من الجشإ بالضم وهو صوت مع ريح يخرج من الفم عند الشبع ‏(‏أو عطس‏)‏ بفتح الطاء ومضارعه بكسرها وضمها ‏(‏فلا يرفع‏)‏ ندباً ‏(‏بهما الصوت‏)‏ أي صوته ‏(‏فإن الشيطان يحب أن يرفع بهما الصوت‏)‏ فيضحك منه ويهزأ به فيندب خفض صوته لهما قدر الإمكان ويكره الرفع عمداً فإن تأذى بهما أحد اشتدت الكراهة بل قد تحرم، ومدح العطاس في الخبر الآتي لكونه من الله لا يستلزم مدح رفع الصوت به والصوت هواء منضغط بين قارع ومقروع‏.‏

- ‏(‏هب عن عبادة بن الصامت‏)‏ الأنصاري ‏(‏وعن شداد بن أوس‏)‏ عن ‏(‏واثلة‏)‏ بكسر المثلثة ابن الأسقع بفتح الهمزة والقاف من أهل الصفة وفيه أحمد بن الفرج وبقية والوضين وفيهم مقال معروف ‏(‏د في مراسيله عن يزيد‏)‏ من الزيادة ابن مرثد بسكون الراء بعدها مثلثة‏.‏

520 - ‏(‏إذا تخففت أمتي بالخفاف ذات المناقب‏)‏ أي لبست الخفاف الملونة أو البيض المزينة أو الجعول عليها أرقاع زينة ‏[‏ص 316‏]‏ ففي القاموس نقب الخف رقعه ‏(‏الرجال والنساء‏)‏ مشتركون فيها بقصد الزينة وهذا بدل من الأمة لفائدة النص على البدع ‏(‏وخصفوا‏)‏ وكان القياس خصفت أي الأمة لكن غلب المذكر لأن الأصل نعالهم ‏(‏تخلى الله عنهم‏)‏ أي ترك حفظهم وأعرض عنهم ومن تخلى عنه فهو من الهالكين وأصل الخصف ترقيع النعل أو خرزها أو نسجها ويظهر أن المراد هنا جعلوها براقة لامعة متلونة لقصد الزينة والمباهاة‏.‏ قال الراغب‏:‏ الأخصف والخصيف الأبرق من الطعام وحقيقة ما جعل من اللين ونحوه في خصفة فيتلون بلونها وفي الميزان من حديث أبي هريرة أربع خصال من خصال آل قارون لباس الخفاف المتلونة ولباس الأرجوان وجر لقال السيوف وكان أحدهم لا ينظر إلى وجه خادمه تكبراً انتهى‏.‏ فلعل الإشارة بالخفاف في الحديث المشروح إلى ذلك وقضيته أن المراد بالنعال هنا نعال السيوف وفيه النهي عن لبس الخفاف المزينة الملونة والنعال المذكورة ونحوها مما ظهر بعده من البدع والتحذير منه وأنه علامة على حصول الوبال والنكال أما لبس الخفاف الخالية عن ذلك فمباح بل مندوب فقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم عدة خفاف وكان الصحب يلبسونها حضراً وسفراً‏.‏

- ‏(‏طب عن ابن عباس‏)‏ قال الهيتمي فيه عثمان بن عبد الله الشامي ضعيف وقال الذهبي قال ابن عدي له موضوعات‏.‏

521 - ‏(‏إذا تزوج أحدكم فليقل له‏)‏ بالبناء للمفعول أي فليقل له ندباً عند العقد أو الدخول أو عندهما أهله وجيرانه وصحبه ومعارفه ‏(‏بارك الله لك‏)‏ في زوجك ‏(‏وبارك عليك‏)‏ أي أدخل عليك البركة في مؤنتها ويسرها لك وأعاد العامل لزيادة الابتهال وكانت عادة العرب إذا تزوج أحدهم قالوا له بالرفاء والبنين فنهى عن ذلك وأبدله بالدعاء المذكور‏.‏ قال النووي‏:‏ ويكره أن يقال بالرفاء والبنين لهذا الحديث ويظهر أن التسري كالتزوج وأن المرأة كالرجل لكنه آكد لما لزمه من المؤنة فتخصيص التزوج والرجل غالبي وزاد في رواية وجمع بينكما في خير‏.‏

- ‏(‏الحارث‏)‏ ابن أبي أسامة ‏(‏طب عن عقيل‏)‏ بفتح المهملة وكسر القاف ‏(‏ابن أبي طالب‏)‏ أخو علي وجعفر ورواه عنه أيضاً النسائي وابن ماجه بمعناه وسياقه عن عقيل أنه تزوج بامرأة من بني جشم وقالوا بالرفاء والبنين فقال‏:‏ لا تقولوا هكذا ولكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بارك الله لهم وبارك عليهم وعقيل هذا كان أسن من علي بعشرين سنة وكان نسابة أخبارياً مات زمن معاوية وقد عمي وهو الذي قال له معاوية إنكم يا بني هشام تصابون في أبصاركم فقال فوراً وأنتم يا بني أمية تصابون في بصائركم رمز لحسنه ولم يصححه لأن فيه أبا هلال قال في اللسان لا يعرف وذكره البخاري في الضعفاء وسماه عميراً وقال لا يتابع على حديثه‏.‏

522 - ‏(‏إذا تزوج الرجل المرأة لدينها‏)‏ أي لأجل أنها دينة أي متصفة بصفة العدالة وليس المراد العفة عن خصوص الزنا ‏(‏وجمالها‏)‏ أي حسنها وبراعة صورتها ‏(‏كان فيها سداداً‏)‏ بالرفع على أن كان تامة وبالنصب على أنها ناقصة ‏(‏من عوز‏)‏ بالتحريك أي كان فيها ما يدفع الحاجة ويسد الخلة ويقوم ببعض الأمر والسداد بالكسر ما يسد به الفقر وتدفع به فاقة الحاجة قيل والفتح هنا خطأ واعترض وعوز الشيء عوزاً من باب تعب عنّ فلم يوجد وأعوزه الشيء احتاج إليه‏.‏ وقال الزمخشري وغيره‏:‏ أصابه عوز وهو الحاجة والفقر وشيء معوز عزيز لم يوجد انتهى‏.‏ وفي تعبير المصطفى صلى الله عليه وسلم بهذه العبارات إيماء إلى أن ذلك غير مبالغ في حمده لأنه في تزوج الجميلة حظاً شهوانياً وميلاً نفسانياً وأن اللائق بالكمال تمحض القصد للدين وعدم الالتفات إلى جهة الجمال وإن كان حاصلاً وقيل أراد أنه إذا تزوجها لدينه ليستعف بها ويصون نفسه ‏[‏ص 317‏]‏ لا لرغبته في مالها وجمالها أعين عليها وكان فيها سداداً من عوز المال والنكاح‏.‏

- ‏(‏الشيرازي في‏)‏ كتاب ‏(‏الألقاب‏)‏ والكنى وكذا العسكري ‏(‏عن ابن عباس وعن علي‏)‏ أمير المؤمنين وفيه هيثم بن بشير أورده الذهبي في الضعفاء وقال حجة حافظ يدلس وهو في الزهري لين وحكم ابن الجوزي بوضعه‏.‏

523 - ‏(‏إذا تزين القوم بالآخرة‏)‏ أي تزينوا بزي أهل الآخرة في الهيئة أو الملبس والتصرف مع كونهم ليسوا على مناهجهم ‏(‏وتجملوا للدنيا‏)‏ أي طلبوا حصولها بإظهار عمل الدين أو بإظهار النسك ونحوه من الأعمال الأخروية لأجل تحصيل الدنيا ‏(‏فالنار مأواهم‏)‏ محل سكناهم يعني يستحقون المكث في نار الآخرة لاشتغالهم بما لا ينجيهم منها وعدم نظرهم في أدبار الأمور وعواقبها المردية وتلبيسهم وتدليسهم وجعلهم الآخرة مصيدة للحطام الفاني كما هو دأب كثير ممن يدعي العلم أو التصرف في هذا الزمان ‏{‏أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة‏}‏‏.‏

- ‏(‏عد عن أبي هريرة وهو مما بيض له الديلمي‏)‏ لعدم وقوفه على مخرجه‏.‏

524 - ‏(‏إذا تسارعتم‏)‏ أي تبادرتم ‏(‏إلى الخير‏)‏ أي إلى فعل قربة ‏(‏فامشوا حفاة‏)‏ ندباً أي بلا نعل ولا خف ‏(‏فإن الله يضاعف‏)‏ من المضاعفة يعني الزيادة ‏(‏أجره‏)‏ أي أجر الماشي حافياً أو الحفا المفهوم من حفاة ويصح عود الضمير على الله ‏(‏على‏)‏ أجر ‏(‏المنتعل‏)‏ أي لابس النعل إن قصد به التواضع والمسكنة وكسر النفس الأمارة فإن الأجر على قدر النصب وما يقاسيه الحافي من تألم رجليه بنحو شوك وأذى وحرارة الأرض أو بردها فوق ما يحصل للمنتعل بأضعاف مضاعفة، قال ابن الجوزي‏:‏ من أهل العلم من يمشي حافياً عملاً بهذا الحديث الموضوع وشبهه وذلك مما تنزه الشريعة عنه والمشي حافياً يؤذي العين والقدم وينجسها انتهى‏.‏ والأوجه أنه إن أمن تنجس قدميه ككونه في أرض رملية مثلاً ولم يؤذه فهو محبوب أحياناً بقصد هضم النفس وتأديبها ولهذا ورد أن المصطفى كان يمشي حافياً ومنتعلاً وكان الصحب يمشون حفاة ومنتعلين وعلى خلاف ذلك يحمل الأمر بالانتعال وإكثار النعال‏.‏

- ‏(‏طس خط عن ابن عباس‏)‏ ورواه عنه أيضاً الحاكم في تاريخه والديلمي وفيه سليمان عن عيسى بن نجيح‏.‏ قال الذهبي‏:‏ كان يضع وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وأقره عليه المؤلف في مختصر الموضوعات لكن يقويه بعض قوة خبر الطبراني من مشى حافياً في طاعة لم يسأله الله يوم القيامة عما افترض عليه لكن قيل بوضعه أيضاً‏.‏

525 - ‏(‏إذا تسميتم بي‏)‏ أي باسمي وهو محمد وليس مثله أحمد خلافاً لمن وهم ‏(‏فلا تكنوا‏)‏ بحذف إحدى التاءين تخفيفاً ‏(‏بي‏)‏ أي بتكذيبي يعني لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي لواحد قال جمع وهذا في عصره لئلا يشتبه فيقال يا أبا القاسم فيظن أنه المدعو فيلتفت فيتأذى ‏{‏وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله‏}‏ واسمه قد سمي به قبل مولده نحو خمسة عشر وسمى به في حياته محمد بن أبي بكر وابن أبي سلمة وغيرهما فإذا سمعه لم يلتفت إليه حتى بتحقق أنه المدعو وأما كنيته فلم يتكنّ بها أحد غيره والأصح عند الشافعية حرمة التكني به مطلقاً في زمنه وبعده لمن اسمه محمد وغيره وإنما خص بهذه الكنية إيذاناً بأنه الخليفة الأعظم الممد لكل موجود من حضرة المعبود سيما في قسمة الأرزاق والعلوم والمعارف

- ‏(‏ت عن جابر‏)‏ بن عبد الله رمز لحسنه‏.‏

‏[‏ص 318‏]‏ 526 - ‏(‏إذا تصافح المسلمان‏)‏ الرجلان أو المرأتان أو رجل ومحرمه أو حليلته يعني جعل كل منهما بطن يده على بطن يد الآخر إذ المصافحة كما في النهاية إلصاق صفح الكف بالكف‏.‏ وقال التلمساني‏:‏ وضع باطن الكف على باطن الأخرى مع ملازمة بقدر ما يقع من سلام أو كلام ‏(‏لم تفرق‏)‏ بحذف إحدى التاءين ‏(‏أكفهما‏)‏ يعني كفاهما كقوله تعالى ‏{‏فقد صغت قلوبكما‏}‏ ‏(‏حتى يغفر لهما‏)‏ أي الصغائر لا الكبائر لما مر فيتأكذ المصافحة كذلك وهي كما في الأذكار سنة مجمع عليها انتهى ولا تحصل السنة إلا بوضع اليمين في اليمين حيث لا عذر كما مر وظاهر الحديث لا فرق بين كون الوضع بحائل ككم قميص ودونه، وهو عن بعضهم خلافه ويكره اختطاف اليد ومصافحته الأمرد ومعانقته كنظره فإن كان بشهوة حرم اتفاقاً أو بدونها جاز عند الرافعي وحرم عند النووي وخرج بالمسلم الكافر فتكره مصافحته لندب الوضوء من مسه‏.‏

- ‏(‏طب عن أبي أمامة‏)‏ قال الهيتمي فيه مهلب بن العلاء لا أعرفه وبقية رجاله ثقات‏.‏

527 - ‏(‏إذا تصدقت‏)‏ أي أردت التصدق ‏(‏بصدقة فأمضها‏)‏ أي فوراً ندباً لئلا يحول بينك وبينها الشيطان فإنها لا تخرج حتى تفك لحى سبعين شيطاناً كما يأتي في خبر بل ربما حال بينك وبينها بعض شياطين الإنس أيضاً وعلى كل خير مانع وقد تأتي المنية قبل إنجازها ويحتمل أن المراد بقوله فأمضها لا تعد فيها بنحو شر كما يدل عليه السبب الآتي‏.‏

- ‏(‏حم تخ عن ابن عمرو‏)‏ بن العاص قال حمل عمر بن الخطاب رجلاً على فرس في سبيل الله ثم وجد صاحبه أوقفه يبيعه فأراد أن يشتريه فنهاه المصطفى ثم ذكره رمز المؤلف لصحته‏.‏

528 - ‏(‏إذا تطيبت المرأة لغير زوجها‏)‏ أي استعملت الطيب في شيء من بدنها أو ملبوسها لاستمتاع غير حليل كزان أو مساحقة أو ليجد الأجانب ريحها وإن خلى عن الزنا والسحاق ‏(‏فإنما هو‏)‏ أي تطيبها لذلك ‏(‏نار‏)‏ أي يجر إليها ويؤدي إلى استحقاقها فهو من مجاز التشبيه ‏(‏وشنار‏)‏ بشين معجمة ونون مفتوحتين مخفف عيب وعار‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ رجل شنير كثير الشنار قال بعضهم‏:‏

ونحن رعية وهم رعاة * ولولا رعيهم شنع الشنار

يريد أن الناس يقولون النار ولا العار وفعل هذه العاهرة قد بلغ من الشناعة ما اجتمع لها فيه النار والعار معاً وقد جمع لهاتين العقوبتين الدنيوية والأخروية عار بعده نار‏.‏

- ‏(‏طس عن أنس‏)‏ قال الهيتمي فيه امرأتان لم أعرفهما وبقية رجاله ثقات‏.‏

529 - ‏(‏إذا تغولت لكم الغيلان‏)‏ أي ظهرت وتلونت بصور مختلفة قال في الأذكار الغيلان جنس من الجن والشياطين وهو سحرتهم ومعنى تغولت تلونت وتراءت في صور وقال بعضهم غيره كانت العرب تزعم أنها تتراءى في الفلوات فتتلون في صور شتى فتغولهم أي تضلهم عن الطريق وتهلكهم وقد نفى ذلك الشارع بقوله ‏"‏لا غول‏"‏ لكن ليس المراد به نفي وجوده، بل إبطال زمن إضلاله، فمعنى لا غول أي لا تستطيع أن تضلّ أحداً قال القزويني‏:‏ وقد رأى الغول جمع من الصحابة منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين سافر إلى الشام قبل الإسلام فضربه بالسيف ويقال إنه كخلقة الإنسان لكن رجلاه رجلا حمار ‏(‏فنادوا بالأذان‏)‏ أي ادفعوا شرها برفع الصوت بذكر الله كذا عند ابن حجر وظاهره أنه ليس المراد بالأذان هنا حقيقته الشرعية بالإتيان بأي ذكر كان وهو غير قويم فقد عدوا من المواطن التي يندب فيها الأذان الشرعي تغول الغيلان وقال في الأذكار المراد بقوله فنادوا بالأذان ادفعوا شرها بالأذان فإن الشيطان إذا سمع الأذان أدبر كما قال ‏(‏فإن الشيطان‏)‏ إبليس على ما درج عليه جمع أو جنس الشيطان وهو كل متمرد من الجن ‏[‏ص 319‏]‏ والإنس لكن المراد هنا شيطان الجن ‏(‏إذا سمع النداء‏)‏ بالأذان ‏(‏أدبر‏)‏ ولى هارباً ‏(‏وله حصاص‏)‏ بمهملات كغراب أي ولى وله شدة عدو وضراط لثقل الأذان عليه كما يضرط الحمار لثقل الحمل واستخفافاً بالذكر‏.‏ قال عياض‏:‏ ويمكن حمله على ظاهره لأنه جسم يصح منه خروج الريح ويحتمل كونه عبارة عن شدة نفاره‏.‏ قال الطيبي‏:‏ شبه شغل الشيطان نفسه عند سماع الأذان بالصوت الذي غلب على السمع ومنعه من سماع غيره ثم سماه حصاصاً أو ضراطاً تقبيحاً له وزاد في رواية البخاري حتى لا يسمع التأذين وظاهره أنه يتعمد ذلك لئلا يسمع وفيه ندب رفع الصوت بالأذان تنفيراً للشياطين وإنما كان الشيطان ينفر منه لأنه جامع لعقيدة الإيمان مشتمل على نوعية العقليات والسمعيات لأنه ابتدأ أولاً بالذات وما يستحقه من الكمال بقوله الله أكبر ثم أثبت الوحدانية ونفى ضدها من الشرك ثم أثبت الرسالة ثم دعا إلى الصلاة وجعلها عقب إثبات الرسالة إذ معرفة وجوبها من جهته لا من جهة العقل ثم دعا إلى الفلاح وهو الفوز والبقاء في النعيم الدائم وفيه إشعار بأمور الآخرة من بعث وجزاء وذلك كله متضمن لتأكيد الإيمان ومزيد الإيقان فلذلك نفر منه الشيطان‏.‏

- ‏(‏طس‏)‏ من حديث عدي بن الفضل عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ قال أعني الطبراني لم يروه عن سهيل إلا عدي قال ابن حجر لعله أراد أول الحديث وإلا فباقيه خرجه مسلم وغيره من غير وجه عن سهيل انتهى وقال الهيتمي فيه الفضل وهو متروك وذكر الدميري في الحيوان أن النووي ذكر الخبر في الأذكار وصححه قال ابن حجر ولم أره فيها لا تخريجاً ولا تصحيحاً، وأنى له بالصحة وعدي الذي تفرد به متفق على ضعفه‏؟‏

530 - ‏(‏إذا تم‏)‏ أي كمل ‏(‏فجور العبد‏)‏ أي استحكم فسق الإنسان وانهمك في العصيان والطغيان قال الزمخشري‏:‏ ومن المجاز انفجر عليهم العدو وجاءهم بغتة بكثرة وانفجرت عليهم الدواهي وفجر الراكب على السرج مال ‏(‏ملك عينيه‏)‏ أي إرسال دمع عينيه فصار دمعها كأنه في يده ‏(‏فبكى بهما متى شاء‏)‏ أي أيّ وقت أراد إظهاراً للخشوع والانقياد ليرتب عليه ما هو دأبه من السعي بين الناس بالفساد، وهذا من معجزاته وآيات نبوته الظاهرة الباهرة فقد عم وطم في هذا الزمان وتوصل به أشقياء هذا الأوان لمن يدعي العلم إلى جر الحطام والقرب من الحكام إيذاءاً للأنام ومحاربة للملك العلام‏.‏

- ‏(‏عد عن عقبة‏)‏ بالقاف ‏(‏ابن عامر‏)‏ الجهني قال ابن الجوزي حديث لا يصح‏.‏

531 - ‏(‏إذا تمنى أحدكم‏)‏ أي اشتهى حصول أمر مرغوب فيه تفعل من الأمنية، والتمني إرادة تتعلق بالمستقبل فإن كان في خير فمحبوب وإلا فمذموم، وقيل حديث النفس بما يكون وما لا يكون وهو أعم من الترجي لاختصاصه بالممكن ‏(‏فلينظر‏)‏ أي يتأمل ويتدبر في ‏(‏ما يتمنى‏)‏ أي فيما يريد أن يتمناه فإن كان خيراً تمناه وإلا كف عنه ‏(‏فإنه لا يدري ما يكتب له من أمنيته‏)‏ أي ما يقدر له منها وتكون أمنيته لسبب حصول ما تمناه وله ساعات لا يوافقها سؤال سائل إلا وقع المطلوب على الأثر، فالحذر من تمني المذموم الحذر، وفيه أمر المتمني أن يحسن أمنيته، وكان الصدّيق كثيراً ما يتمثل بقوله‏:‏

احذر لسانك أن تقول فتبتلى * إن البلاء موكل بالمنطق

ولما نزل الحسين بكربلاء سأل عن اسمها فقيل كربلاء فقال كرب وبلاء فجرى ما جرى

- ‏(‏حم خد هب عن أبي هريرة‏)‏ رمز لحسنه وهو أعلا فقد قال الهيتمي رجال أحمد رجال الصحيح وأقول في مسند البيهقي ضعفاء‏.‏

‏[‏ص 320‏]‏ 532 - ‏(‏إذا تمنى أحدكم‏)‏ على ربه من خير الدارين ‏(‏فليكثر‏)‏ الأماني ‏(‏فإنما يسأل ربه‏)‏ الذي رباه وأنعم عليه وأحسن إليه ‏(‏عز وجل‏)‏ فيعظم الرغبة ويوسع المسألة ويسأله الكثير والقليل حتى شسع النعل فإنه إن لم ييسره لا يتيسر كما في الحديث الآتي‏:‏ فينبغي للسائل إكثار المسألة ولا يختصر ولا يقتصر فإن خزائن الجود سحاء الليل والنهار أي دائمة لا ينقصها شيء ولا يفنيها عطاء وإن جل وعظم لأن عطاءه بين الكاف والنون ‏{‏إنما أمرنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون‏}‏ قال الزمخشري‏:‏ وليس ذا بمناقض لقوله سبحانه وتعالى ‏{‏ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض‏}‏ فإن ذلك نهي عن تمني ما لأخيه بغياً وحسداً وهذا تمني على الله عز اسمه خيراً في دينه ودنياه وطلب من خزائنه فهو نظير ‏{‏واسألوا الله من فضله‏}‏‏.‏

- ‏(‏طس عن عائشة‏)‏ رمز لحسنه وهو تقصر أو قصور وحقه الرمز لصحته فقد قال الحافظ الهيتمي وغيره رجاله رجال الصحيح‏.‏

533 - ‏(‏إذا تناول أحدكم‏)‏ أي أخذ ‏(‏عن أخيه‏)‏ في الدين ‏(‏شيئاً‏)‏ أي أماط عن نحو ثوبه أو بدنه نحو قذاة مما أصابه ولم يشعر به ‏(‏فليره‏)‏ بضم التحتية وسكون اللام وكسر الراء وسكون الهاء من أراه يريه ‏(‏إياه‏)‏ ندباً تطييباً لخاطره وإشعاراً بأنه بصدد إزالة ما يشينه ويعيبه وذلك باعث على مزيد الود وتضاعف الحب، وخرج بالأخ في الدين الكافر فلا ينبغي فعل شيء من وجوه الإكرام والاحترام معه إلا لضرورة‏.‏

- ‏(‏د في مراسيله عن ابن شهاب‏)‏ الزهري ‏(‏قط في‏)‏ كتاب ‏(‏الأفراد‏)‏ بفتح الهمزة ‏(‏عنه‏)‏ أي الزهري ‏(‏عن أنس‏)‏ ابن مالك لكن ‏(‏بلفظ‏:‏ إذا نزع‏)‏ بدل تناول، وإسناده ضعيف لكن انجبر المرسل بالمسند فصار متماسكاً‏.‏

534 - ‏(‏إذا تنخم‏)‏ بالتشديد ‏(‏أحدكم‏)‏ أي دفع النخامة من صدره أو رأسه، والنخامة البصاق الغليظ ‏(‏وهو في المسجد فليغيب نخامته‏)‏ بتثليث أوله وهو النون ومن اقتصر على الضم فإنما هو لكونه الأشهر بأن يواريها ‏(‏في التراب‏)‏ أي غير تراب المسجد أو يبصق في طرف ثوبه أو ردائه ثم يحك بعضه ببعض ليضمحل، ومثل النخامة البصاق وكل ما نزل من الرأس أو صعد من الصدر قال يغيب دون يغطي إشارة إلى عدم حصول المقصود بالتغطية إذ قد يزلق بها أحداً أو يقعد عليها وذلك مطلوب في غير المسجد أيضاً وإنما خصه لأن البصاق في أرضه أو جزء من أجزائه حرام ومواراته في غير ترابه أو إخراجه واجب وتركه حرام وأما مواراته في غير المسجد فمندوحة لما بينه بقوله ‏(‏لا يصيب‏)‏ بالدفع أي لئلا يصيب ‏(‏جلد مؤمن‏)‏ أي شيئاً من بدنه ‏(‏أو ثوبه‏)‏ يعني ملبوسه ثوباً أو رداءاً أو عمامة أو غيرها ‏(‏فيؤذيه‏)‏ أي فيتأذى به بإصابتها له ونحن مأمورون بكف الأذى عن خلق الله فإن تحقق الأذى حرم، وخص المؤمن لأهميته كف الأذى عنه وإلا فكف الأذى عن الذمي واجب‏.‏

- ‏(‏حم ع وابن خزيمة‏)‏ في صحيحه ‏(‏هب والضياء‏)‏ المقدسي والديلمي ‏(‏عن سعد‏)‏ ابن أبي وقاص‏.‏ قال الهيتمي رجاله موثقون وعزاه في محل آخر للبزار ثم قال رجاله ثقات‏.‏

535 - ‏(‏إذا توضأ أحدكم‏)‏ في نحو بيته ‏(‏فأحسن الوضوء‏)‏ بأن راعى فروضه وسننه وآدابه وتجنب منهياته ‏(‏ثم خرج‏)‏ زاد في رواية عامداً ‏(‏إلى المسجد‏)‏ يعني محل الجماعة ‏(‏لا ينزعه‏)‏ بفتح أوله وكسر الزاي ‏(‏إلا الصلاة‏)‏ أي لا يخرجه ويذهبه من محله إلا قصد فعلها فيه، يقال نزع إلى الشيء نزاعاً ذهب إليه، والمراد أن يكون باعث خروجه قصد إقامتها وإن عرض له في خروجه أمر دنيوي فقضاه، والمدار على الإخلاص فحسب ‏(‏لم تزل رجله اليسرى تمحو‏)‏ ‏[‏ص 321‏]‏ وفي رواية تحط ‏(‏عنه سيئة وتكتب له اليمنى حسنة‏)‏ يعني يكتب له بإحدى خطوتيه حسنة وتمحى عنه بالأخرى سيئة لكن لما كان مشيه برجليه سبباً لذلك صارت كأنها فاعلة وهذا أبلغ في الترغيب وأشوق إلى الأعمال الصالحة‏.‏ قال العراقي‏:‏ وخص تحصيل الحسنة باليمنى لشرف جهة اليمين وحكمة ترتب الحسنة على رفعها حصول رفع الدرجة بها وحكمة ترتب حط السيئة على وضع اليسرى مناسبة الحط للوضع فلم يترتب حط السيئة على رفع اليسرى كما فعل باليمنى بل على وضعها أو يقال إن قاصد المشي للعبادة أول ما يبدأ برفع اليمنى للمشي فترتب الأجر على ابتداء العمل انتهى وفيه إشعار بأن هذا الجزاء للماشي لا للراكب أي بلا عذر، ، وذكر الرجل غالبي فبدلها في حق فاقدها مثلها ويستمر المحو والكتب ‏(‏حتى‏)‏ ينتهي مشيه إليه بأن ‏(‏يدخل المسجد‏)‏ أي محل الجماعة وفيه تكفير للسيئات مع رفع الدرجات وسببه أنه قد يجتمع في العمل شيئان أحدهما رافع والآخر مكفر كل منهما باعتبار فلا إشكال فيه ولا حاجة لتأويل كما ظن‏.‏ ولما حث على لزوم الجماعة نبه على أن آكد الجماعة جماعة الصبح والعشاء لعظم المشقة فيهما كما مر بقوله ‏(‏ولو يعلم الناس ما في‏)‏ صلاة ‏(‏العتمة‏)‏ العشاء وسميت باسم وقتها لأنهم يعتمون فيها بحلاب الإبل ولعل هذا قبل نهيه عن تسميتها به ‏(‏و‏)‏ صلاة ‏(‏الصبح‏)‏ أي ما فيها من جزيل الثواب ‏(‏لأتوهما‏)‏ أي سعوا إلى فعلهما ‏(‏ولو حبواً‏)‏ أي زاحفين على الركب وفيه أن المساجد بنيت للصلاة أي الأصل ذلك وأن المعنى المترتب عليه الجزاء هو المشي وهو أمر زائد على إدراك فضل الجماعة فلو كان المصلي معتكفاً حصل له ثواب الجماعة دون ذلك‏.‏

- ‏(‏طب ك هب عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي وقال الهيتمي رجال الطبراني موثقون‏.‏

536 - ‏(‏إذا توضأ أحدكم في بيته‏)‏ يعني في محل إقامته ‏(‏ثم أتى المسجد‏)‏ يعني محل الجماعة ‏(‏كان في صلاة‏)‏ أي حكمه حكم من هو في صلاة من جهة كونه مأموراً بترك العبث واستعمال الخشوع وللوسائل حكم المقاصد ويستمر هذا الحكم ‏(‏حتى يرجع‏)‏ أي إلى أن يعود إلى محله‏.‏ قال الراغب‏:‏ والرجوع العود إلى ما كان البدء منه مكاناً أو فعلاً أو قولاً بذاته كان رجوعه أو بجزء من أجزائه أو بفعل من أفعاله ‏(‏فلا يقل هكذا‏)‏ أي لا يشبك بين أصابعه فالمشار إليه قول الراوي ‏(‏وشبك‏)‏ أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏بين أصابعه‏)‏ أي أدخل أصابع يديه في بعض من اشتباك النجوم وهو كثرتها وانضمامها وكل متداخلين متشابكان ومنه شباك الحديد وإطلاق القول على الفعل جائز شائع ذائع في استعمال أهل اللسان ومطارح البلغاء قال الطيبي‏:‏ لعل النهي عن إدخال الأصابع بعضها في بعض لما فيه من الإيماء إلى ملابسة الخصومات والخوض فيها بدليل أنه حين ذكر الفتن شبك بين أصابعه وقال اختلفوا فكانوا هكذا‏:‏ ثم إن هذا الخبر لا يعارضه ما ورد من أن المصطفى شبك بين أصابعه لأن النهي لمن كان في صلاة أو قاصدها أو منتظرها لأنه في حكم المصلي وقال ابن المنير‏:‏ التحقيق أنه لا تعارض إذ المنهي فعله عبثاً وما في الحديث قصد به التمثيل وتصوير المعنى في اللفظ بصورة الحس وفيه كراهة تشبيك من خرج إلى المسجد للصلاة‏.‏ في الطريق والمسجد، في الصلاة وغيرها، كما في التحقيق وأنه يكتب لقاصد المسجد لصلاة أجر المصلي من حين يخرج حتى يعود‏.‏

- ‏(‏ك‏)‏ في الصلاة ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ وقال على شرطهما وأقره الذهبي‏.‏

537 - ‏(‏إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه‏)‏ أي أتى به تاماً كاملاً غير طويل ولا قصير بل متوسط بينهما ذكره القاضي ‏[‏ص 322‏]‏ ‏(‏ثم خرج‏)‏ من محله ‏(‏عامداً إلى المسجد‏)‏ أي قاصداً لمحل الجماعة يقال عمد للشيء قصد له ‏(‏فلا يشبكن بين أصابع يديه‏)‏ ندباً أي لا يدخل أصابع إحداهما في أصابع الأخرى لما فيه من التشبيه بالشيطان أو لدلالته على ذلك أو لكونه دالاً على تشبيك الأحوال قال ابن العربي‏:‏ وقد شاهدت ممن يكره رؤيته ويقول فيه نظير في تشبيك الأحوال والأمور، ومثل تشبيكها تفقيعها كما في حديث آخر ‏(‏فإنه في صلاة‏)‏ أي في حكم من فيها والتشبيك من هيآت التصرفات الاختيارية والصلاة تصان عن ذلك مع أن التشبيك جالب للنوم وهو مظنة للحديث فلذلك كره تنزيهاً‏.‏ قال العراقي‏:‏ وهل يتعدى النهي عن التشبيك إلى تشبيكه بيد غيره أو يختص بيد نفسه لأنه عبث‏؟‏ كل محتمل، ويظهر أن تشبيكه بيد غيره إذا كان لنحو مودة أو ألفة لا يكره وقد رفع حديث التشبيك مسلسلاً بجمع من الحفاظ، ثم إن مفهوم الشرط ليس قيداً معتبراً حتى إنه إنما ينهى عن التشبيك من توضأ فأحسن وضوءه بل من توضأ فأسبغ الواجب وترك المندوب فهو مأمور بذلك وكذا من خرج من بيته غير متوضئ ليتوضأ في طريقه أو عند المسجد لأنه قاصد للصلاة في المسجد وفائدة ذكره الشرط أن الآتي بصفات الكمال من توضئه قبل خروجه من بيته وإحسانه للوضوء وذهابه للمسجد أنه لا يأتي بما يخالف ما ابتدأ به عبادته من العبث في طريقه إلى المسجد بتشبيك اليدين بغير ضرورة بل ينبغي أن يواظب على صفات الكمال في خروجه ودخوله المسجد وصلاته وخروجه منه حتى يرجع إلى بيته ليكون آخر عبادته مناسباً لأولها والنهي عن التشبيك في الصلاة لا يتقيد بكونه في المسجد بل لو صلى في بيته أو سوقه فكذلك لتعليله النهي عن التشبيك في الصلاة إذا خرج من بيته بأنه في صلاة فإذا نهى من يكتب له أجر المصلي لكونه قاصدها فحالة الصلاة الحقيقية أولى بترك العبث سواء كانت الصلاة بالمسجد وغيره‏.‏

- ‏(‏حم د ت‏)‏ في الصلاة من حديث أبي ثمامة الخياط ‏(‏عن كعب بن عجرة‏)‏ بفتح العين ‏(‏الذي في القاموس بضم العين‏)‏ المهملة وسكون الجيم البلوى حليف الأنصار أو منهم تأخر إسلامه قال أبو ثمامة أدركني كعب متوجهاً إلى المسجد مشبكاً بين أصابعي فقال إن رسول الله قال فذكره وصححه ابن خزيمة وابن حبان قال ابن حجر في إسناده اختلاف ضعفه بعضهم لأجله وقال الذهبي في التنقيح رواه جماعة عن المعتز عن أبي ثمامة وهو لا يعرف إلا بهذا الحديث وفيه نكارة وفي الميزان خبره عن كعب ولذلك رمز المؤلف لضعفه‏.‏

538 - ‏(‏إذا توضأ أحدكم‏)‏ أي أراد الوضوء ‏(‏فلا يغسل‏)‏ ندباً ‏(‏أسفل رجليه بيده اليمنى‏)‏ بل باليسرى تكريماً لليمين لأنهم كانوا يمشون حفاة فقد يعلق نحو أذى أو زبل بأسفلهما فلا يباشر ذلك بيمناه تكرمة لها ذكره عبد الحق ويؤخذ منه أن الغسل كالوضوء فيندب فيهما دلك رجليه بيساره ويبالغ في العقب سيما في الشتاء ومثل غسل رجليه غسل رجلي غيره بالأولى‏.‏

- ‏(‏عد عن أبي هريرة‏)‏ بإسناد ضعيف ‏(‏وهو‏)‏ أي الحديث ‏(‏مما بيض له الديلمي‏)‏ لعدم وقوفه عليه رمز لضعفه وذلك لأن فيه سليمان بن أرقم متروك والحسن عن أبي هريرة وهو لم يصح سماعه منه وأبو إبراهيم محمد بن القاسم الكوفي كذبه أحمد‏.‏

539 - ‏(‏إذا توضأتم‏)‏ أي أردتم الوضوء ‏(‏فابدأوا‏)‏ ندباً ‏(‏بميامنكم‏)‏ وفي رواية بأيامنكم فأيامن جمع أيمن وميامن جمع ميمنة أي بغسل يمين اليدين والرجلين لأن اليمنى أشرف وتقديم الفاضل عن المفضول مما تطابق عليه المعقول والمنقول فإن عكس بلا عذر كره وصح وضوءه وصرف الأمر عن الوجوب‏.‏ نقل ابن المنذر الإجماع على عدمه ولأنه لا يعقل ‏[‏ص 323‏]‏ في ذلك إلا تشريف اليمين ولا يقتضي عدمه العقاب وما نقل عن الشافعي في القديم من الوجوب لم يثبت وبفرض ثبوته فمراده تأكد الندب من قبيل غسل الجمعة واجب قال الراغب‏:‏ والبدء والابتداء تقديم الشيء على غيره ضرباً من التقديم‏.‏

- ‏(‏ه عن أبي هريرة‏)‏ ورواه عنه أحمد وأبو داود وابن خزيمة وابن حبان والطبراني والبيهقي وغيرهم قال ابن دقيق العيد‏:‏ وهو خليق بأن يصحح وصححه ابن خزيمة وارتضاه ابن حجر وقال ابن القطان‏:‏ صحيح وقال مغلطاي في شرح ابن ماجه صحيح فرمز المؤلف لضعفه لا معول عليه‏.‏

540 - ‏(‏إذا توضأت‏)‏ بتاء الخطاب أي فرغت من وضوئك ‏(‏فانتضح‏)‏ أي رش الماء ندباً على فرجك وما يليه من الإزار حتى إذا أحسست ببلل فقدر أنه بقية الماء لئلا يشوش الشيطان فكرك ويتسلط عليك بالوسواس قال الغزالي‏:‏ وبه يعرف أن الوسوسة تدل على قلة الفقه وقيل أراد بالنضح صب الماء على العضو ولا يقتصر على مسحه حكاه المنذر وفيه ما فيه‏.‏

- ‏(‏ه عن أبي هريرة‏)‏ قال مغلطاي في شرح ابن ماجه سأل الترمذي عنه البخاري فقال الحسن بن علي الهاشمي أي أحد رجاله منكر الحديث وقال ابن حبان هذا حديث باطل وقال العقيلي لا يتابع عليه الهاشمي وقال الدارقطني له مناكير وعبد الحق سنده ضعيف فرمز المؤلف لحسنه غير صواب، نعم قال مغلطاي له إسناد عند غير ابن ماجه صالح فلعل المؤلف أراد أنه حسن لشواهده‏.‏

541 - ‏(‏إذا توفي أحدكم‏)‏ أي قبضت روحه قال في الكشاف‏:‏ التوفي استيفاء النفس وهي الروح وهو أن يقبض كله لا يترك منه شيء من توفيت حقي من فلان واستوفيته أخذته وافياً كاملاً والتفعل من الاستفعال يلتقيان في مواضع ‏(‏فوجد شيئاً‏)‏ أي خلف تركة لم يتعلق بعينها حق لازم وإسناد الوجدان إلى الميت مجاز والمراد وليه أو من يقوم مقامه في تجهيزه ‏(‏فليكفن‏)‏ جوازاً ‏(‏في ثوب حبرة‏)‏ بالإضافة وعدمها كعنبة ثوب يماني من قطن أو كتان مخطط وهذا قد يعارضه الأمر بالتكفين في البياض وقد يقال مراده هنا لبيان جنس ما يكفن فيه من كونه من نحو قطن لا مع رعاية الحبرة بسائر صفاتها التي منها التخطيط بدليل تعلقه على الوجدان وكأنه قال إن وجد في مخلف الميت ما يفي بثوب من نحو قطن فليكفن فيه ولا يعدل لتكفينه في نحو حصير أو جلد أو حشيش أو كرباس فإنه إزراء به أو أن الحبرة من التحبير وهو التحسين على أنه إنما يحتاج إلى الجمع بين حديثين إذا استويا صحة أو حسناً أو ضعفاً وأحاديث البياض صحيحة وهذا الحديث ضعيف أو حسن ودعوى النسخ يحتاج إلى ثبوت تأخر الناسخ‏.‏

- ‏(‏د‏)‏ في الجنائز ‏(‏والضياء‏)‏ المقدسي ‏(‏عن جابر‏)‏ بن عبد الله قال ابن القطان فيه إسماعيل بن عبد الكريم والحديث لا يصح من أجله‏.‏

542 - ‏(‏إذا جاء أحدكم الجمعة‏)‏ أي أراد المجيء إلى صلاتها وهو بضم الميم اتباعاً لضم الجيم اسم من الاجتماع أضيف إليه اليوم أو الصلاة وجواز إسكانها على الأصل على المفعول وهي لغة تميم وبها قرئ وفتحها بمعنى فاعل أي اليوم الجامع وهو كهمزة ولم يقرأ بها واستشكاله بأنه أنث مع أنه صفة لليوم دفع بأن التاء ليست للتأنيث بل للمبالغة كهي في علامة أو هي صفة للساعة وحكى الكسر أيضاً وسواء كان الجائي رجلاً أو صبياً أو أنثى كما أفاده بإضافة أحد إلى ضمير الجمع ليعم، وذكر المجيء غالبي فالحكم يعم المقيم بمحلها‏.‏ قال الطيبي‏:‏ والظاهر أن الجمعة فاعل كقوله ‏{‏إذا جاءتهم الحسنة‏}‏ وقوله ‏{‏أن يأتي أحدكم الموت‏}‏ ‏(‏فليغتسل‏)‏ ندباً عند الجمهور وقيل وجوباً وعليه الظاهرية وعزى لمالك ونص عليه الشافعي في القديم واختاره السبكي ويأتي فيه مزيد وخرج به من لم يحضرها فلا يطلب منه الغسل بناء على الأصح عند الشافعية والحنفية والمالكية أن الغسل للصلاة لا لليوم فلو اغتسل بعد الصلاة لم يكن للجمعة وظاهر قوله فليغتسل أن الغسل يتصل بالمجيء فيقربه من ذهابه ويوصله به وبه قال مالك لكن أخذ الشافعية والحنفية بما اقتضاه حديث أبي هريرة من اغتسل ‏[‏ص 324‏]‏ يوم الجمعة ثم راح أن الرواح متأخر عن الغسل فلو اغتسل بعد الفجر أجزأ عند الشافعية والحنفية لا المالكية لكن تقريبه من ذهابه أفضل عند الشافعي‏.‏

- ‏(‏مالك‏)‏ في الموطأ ‏(‏ق ت عن ابن عمر‏)‏ ابن الخطاب قال كان الناس يغدون في أعمالهم فإذا كانت الجمعة جاءوا وعليهم ثياب مغبرة فشكوا ذلك للنبي فذكره وفي رواية لمسلم من حديث أبي هريرة بينما عمر يخطب يوم الجمعة إذ دخل عثمان فعرض به فقال ما بال رجال يتأخرون بعد النداء فقال عثمان يا أمير المؤمنين مازدت حين سمعت الأذان أن توضأت ثم أقبلت فقال عمر والوضوء أيضاً ‏؟‏ ألم تسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره كذا في مسلم وظاهر صنيع المصنف أنه لم يروه من الستة إلا ثلاثة ولا كذلك بل رواه الجماعة إلا أبا داود ومن عزاه للكل كصاحب المنتقي فقد وهم وقد اعتنى بتخريج هذا الحديث أبو عوانة في صحيحه فساقه من طريق سبعين راوياً رووه عن نافع ثم جمع ابن حجر طرقه فبلغ أسماء من رووه عن نافع مئة وعشرين‏.‏